في إطار فعاليات الجامعة الصيفية في دورتها السابعة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب والتي امتدت ما بين 28 يوليوز و 1 غشت 2015 بمدنية المحمدية، نظمت ندوة فكرية بمشاركة ثلة من الباحثين والنقاد حول موضوع : السينما والتاريخ، أي علاقة؟ وذلك بقاعة العروض بمسرح عبد الرحيم بوعبيد صباح يوم السبت 1 غشت 2015. وقد سبق للناقد أحمد السجلماسي أن وضع أرضية للندوة اقترح فيها عدة مداخل لمقاربة الموضوع تم نشرها قبل انعقاد فعاليات الجامعة.
استطاعت السينما كفن رغم عمرها الذي لا يتجاوز قرنا ونصف ، أن تتقاطع مع مفاهيم عديدة كالتاريخ والفلسفة و المقدس و الهوية ، وأصبحت في مدة وجيزة موضوعا لنقاشات فكرية لم يستوعبها بعض الكثيرين خاصة في الدول النامية، فيما يلي بعض الأفكار التي جادت بها قريحة الأساتذة المتدخلين في الندوة .
الناقد بوشتى فرقزيد اعتبر العلاقة بين السينما والتاريخ إشكالا فكريا حقيقيا يحتاج إلى بحث رصين على اعتبار أن كل من التاريخ والسينما يشتغلان معا على الزمن والمكان، كما أن المؤرخ والسينمائي يعملان على إعادة إنتاج الواقع، على أن الثاني في تناوله لموضوع تاريخي يعتمد على مصادر ومراجع لبناء تصور حول حدث ما، في حين أن الأول يمتح طريقة عمله من منهج خاص باعتبار التاريخ علما له قوانين وخطوات مضبوطة. ويضيف فرقزيد أن الإشكال يتعقد أكثر عند استحضار مفاهيم أخرى كالموضوعية والذاتية، وقدم نماذج لأفلام تخييلية و ووثائقية حضرت فيها هذه العلاقة بين السينما والتاريخ بصور متباينة مثل : الملوك الثلاثة لسهيل بن بركة و تنغير جيرزاليم أصداء الملاح لكمال هشكار وفين ماشي يا موشي لحسن بنجلون... وخلص إلى أن السينما والتاريخ لا يعيدان إنتاج الواقع بل يقدمان تصورا معينا لواقع ما.
أما الناقد السينمائي إدريس القري فهو الأخر اعتبر العلاقة بين السينما والتاريخ إشكالية كبرى وحذر من خطورة استعمال بعض المفاهيم من قبيل الموضوعية لأنها على حد تعبيره تحمل كل المكر الإنساني. وفي تحليله للإشكال أشار القري أن أي عمل سينمائي حول موضوع تاريخي لا يجب أن ننظر إليه من وجهة نظر الذاتية والموضوعية لأنها شان يخصه، بل يجب مقاربته من حيث معالجته الموضوع جماليا، وأضاف أن الفيلم الوثائقي حين يبحث عن الاقتراب أكثر من ماهيته التوثيقية ينحرف عن جمالية السينما، وانتهى إلى أن كل تاريخ عبارة عن تواريخ ورؤى مطوعة خدمة لمصالح انتماء ما .
اختار الناقد السينمائي أحمد السجلماسي في مداخلته مقاربة الموضوع من زاوية أخرى طرح فيها إشكال التأريخ للسينما بالمغرب مسؤولية من ؟ وطرح عدة أفكار ميز فيها بين مسؤولية المؤسسات و الأفراد والجمعيات واقترح عدة تدابير للتدخل لضمان استفادة الباحثين والدارسين من كل الوثائق المتعلقة بالسينما المغربية، مقدما نماذج كثيرة من قبيل دور المركز السينمائي ووزارة الاتصال و بعض الجمعيات المهتمة بالسينما وذكر أسماء بعض الباحثين لهم اهتمام خاص بتوثيق الذاكرة السينمائية وعلى رأسهم أحمد أعريب و مولاي ادريس الجعايدي و محمد باكريم.
انطلق الناقد محمد باكريم من تيمة الندوة خاصة التاريخ التي أصبحت محط اهتمام عدة تجارب جمعوية و مؤسساتية و إعلامية مقدما نموذج مجلة زمان المتخصصة في التاريخ والتي عرفت نجاحا مبهرا مفسرا ذلك بنوع من الحنين والشوق لمعرفة الماضي عند المغاربة. كما استحضر مفهوم التاريخانية عند عبد الله العروي محاولا تطبيقه على معالجة السينما المغربية للتاريخ. ووضح باكريم العلاقة بين السينما والتاريخ بكونها علاقة تاثير وتأثر وأعطى نموذج لجوء المخرجين الإيطاليين إلى تصوير أفلامهم في الشوارع بعدما هدمت الحرب العالمية الثانية استدويوهات التصوير وهو ما أدى إلى ظهور موجة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية . باكريم اقترح في مداخلته مقاطع فيلمية من السينما المغربية منطلقا من تجربة الراحل أحمد البوعناني في الذاكرة 14 و مومن السميحي في 44 أو أسطورة الليل و أماكننا الممنوعة لليلى الكيلاني ، وأشار إلى أن هذه التجارب اختارت معالجة خاصة للتاريخ تختلف عن ما تسوق له الدولة رسميا.
نور الدين الهريم عن المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير في مداخلة مختصرة أكد على ضرورة الاشتغال على الذاكرة والتاريخ الوطنيين من خلال الاعتماد على الصورة السينمائية لما لها من تأثير على جماهير واسعة خاصة الأطفال. وخلص إلى ضرورة الانتقال من الدفاع عن الهوية الوطنية إلى تحصينها داخل وسائل الاتصال. وفي نفس الاتجاه سارت مداخلة ممثل وزارة الاتصال السيد محمد ريحان حين اعتبر الاشتغال في إطار البروباغندا سينمائيا شيئا مقبولا لخدمة الوطنية لمواجهة هجومات الآخرين وأعطى أمثلة عن بعض المخرجين الإسبان تمت استمالتهم من طرف من سماهم بأعداء الوحدة الوطنية لخدمة أجندة الانفصاليين.